الألعاب الألكترونية : تصميم، لعب، أضطراب
يجري في متحف "فيكتوريا والبرت" معرض معاصر مكرس للألعاب الإلكترونية بعنوان " الألعاب الألكترونية : تصميم ولعب واضطراب
زرت معرض الألعاب الألكترونية في أول يوم من السنة الجديدة لأنني وحشت أبني الذي كبر وتزوج وافترقت طرقانا وعشنا في بلدان مختلفة ومهما تواصلنا وتراسلنا يزداد عبء الفراق في نفسي. ومهما كبر ابني أشوفه في بالي كولد صغير، حوالي ثمان أو تسع سنوات وهو يلعب على "البلي ستيشن" آنذاك كنت انزعج لان أبني لم يكن يكتفي بضيع وقته الخاص، بل كان مصر، كما كان يبدو لي، أن يضيع من وقتي انا الثانية حيث كان يطلب ان أجلس معاه و اشاهده يلعب. وفي البداية، كان هذا أمر صعب بالنسبة لي، المترعرعة بين رفوف الكتب وقروص فينيل الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا و دروس الباليه. لكن فرضت على نفسي أن أتابع وأشارك أبني في هويته بنصف ساعة يوميا على الأقل، لأن كرهي للركض والصراع الدائم والأبدي لأبطال الألعاب الإلكترونية كان قوة دافعة أضعف من خوفي أن أقع في حالة امي التي في شبابي كانت من جانب ترفض المشاركة في هواياتي و من جانب أخر كانت تصر أن تعرف عن تفاصيل حياتي
فحينما كنت أذهب اليها بكتاب قائلة "أمي، قريت شيء عجيب، دعيني اقرأه لك" كانت ترد "لا، ما أريد أعرف. روحي ومع ذلك كانت خبيرة عن نقط حياتي من خلال الكشف في اغراضي الشخصية وقراءة رسالاتي ومذكراتي - طبعا خافيا ودون استأذاني. تقل زاد ثمن المعلومات لو اكتشفتها أمي خفيا وبنفسها، وقل ثمنها لو افدت بها تطوعا. في كل حالة، اصبح "شبح نمط أمي" حافز كبير لبذل جهد كبير في تطوير علاقتي مع أبني . واتخذ هذا الجهد ، من بين غيرها، شكل ساعات لا تعاد في مشاهدة ولعب الألعاب الألكترونية معه
لم يؤثر مرور السنين على حب ابني للألعاب الإلكترونية، وتطورا كلاهما (أبني والالعاب ) بتوازن من حيث الشكل والمحتوى. و مضينا من "سوبر ماريو" و" علأء الدين" و تعابير من النوع " ماما ماما تعالي شوفي.... آآآههه آآآآههه لااااا متت" عبر" تيكن" و "كراش بانديكوت" حتى وصلنا الى "غران توريسمو و "بلود بورن" حين أصبحت تعليقات أبني أكثر عمقا ونضجا. فمثلا بدأ يشجعني على ملاحظة إسْهاب ,تفاصيل الرسومات والطرازات و تعقيد التخطيط الروائي وتَرْوِيق التأليف الموسيقي الخ و بَهّرالملاحظات هذه بحكايات عن تاريخ تأليف اللعبة وقصص شخصية عن هذا أو ذاك من فريق المؤلفين
يقدم معرض الألعاب الإلكترونية "في&أي" أحدث الألعاب الإلكترونية وأكثرها تعقيدا. لم يبني العرض على قص زمني أي من الماضي الى الحاضر ( بالرغم من وجود نماذج ألعاب عتيقة في القاعة الأخيرة ) بل مبني حول تطوير الجانب الحرفي للنواحي البصرية -السمعية والفلسفية للألعاب الألكترونية وقيمتها الفنية ففي القاعات الأولى نجد مواد فنية تروي رؤيات تأليف أحدث العاب "بلي ستيشن" و"نينتندو" ومنها رسومات أصلية وفيديوهات تحريك الرسومات الأصلية وتلوينها وملاقط ودفاتر ملاحظات الفنانيين وغيرها من القطع الفضولية
فها هي زاوية عرض "بلودبورن"، اللعبة المفضلة لدى ابني في الفترة الأخيرة (لعبناها مع بعض قبل شهرين تقريبا) حيث تعرض الكراسات الكبيرة المحتويات للمراحل المختلفة من خلق صورة البطل الأساسي : الهيكل المرتدي زي قرصاني. وها هي دفاتر النوتات الموسيقية و فيديو تسجيل موسيقة اللعبة بمشاركة أوركسترى كلاسيكي كامل وفرقة غنائية كبرى
إلى جانب الألعاب الَي أعرفها وجدت عدد كبير من الألعاب الجديدة، أكثر شي تأثرت من لعبة "غريفيارد" او المقبرة المخلوقة لتشجيع كبار السن على اللعب حيث أثبت علميا أن الألعاب الألكترونية تحسن الاستجابة عند كبار السن وأبطال هذه اللعبة كلهم عجائز، نساء ورجال، وكلهم يتحركون- كما يبدو لن - ببطء لكنها مجرد السرعة الطبيعية الحقيقية واللعبة الأخرى التي أثرت بها هي لعبة "نو مانس لاند" ( او السماء الحرام) وفيها نرحل بقارب فلكي نحو النجوم ونقف على عدد لانهائي من الكواكب ولهذه اللعبة خوارزمية (الغوريثم) تجمع بين عدد هائل من العناصر لصنع عدد لانهائي من الكواكب. ففي زاوية هذه اللعبة نرى شيء من الصور الأصلية التي تستعملها الخوارزمية ( الالغوريثم) لخلق الكواكب - وهي صور فوتوغرافية لعجائب كوكب الأرض الطبيعية - مناظر وحيوانات وحشرات الخ. فالخوارزمية تحلل هذه الصور الفوتوغرافية إلى عناصرها المكون مثلا تحلل صورة حشرة الى عيون وأسنان وأطراف وهوائيات ثم تجمعها مع عناصر من حشرات وحيوانات اخرى حتى تعيد تشكيل كائن جديد عجيب
جانب المتعة من الألعاب، يتطرق المعرض الى الاسئلة المعنوية والفلسفية والعلمية التي تطرقها لها الالعاب الألكترونية فمن الناحية العملية مثلا: يطرح العرض قضية سيادة اللغة الأنكليزية على الألعاب ويفصل صعوبات تحويل الألعاب الى لغات آخرى ضاربا مثل اللغة العربية
اما من الناحية المعنوية فيتطرق العرض الى مسألة العنف في الألعاب و كذلك مسألة تمثيل النساء فيها ويختتم العرض بقاعة تفتح امكانية لعب للزائر - وفي هذه المرحلة قد اصاب الجميع بحكة شديدة في اليد - وهنا نجد العديد من الألعاب الكلاسيكية العتيقة (تتذكرون السياقة في مقعد نصف سيارة؟)
أم البضاعة ، اه البضائع… تتوفر ، كالعادة ، في مخزن فيكتوريا والبرت احسن البضائع الفنية. وهذه البضائع من جودة و خيال دون مقارنة بحيث اللسان الذي قد نجح في وصف المعرض قد يفشل في وصف البضاعة المتعلقة بالعرض.وبينها ازياء وحلى ورسومات و الاشكال والالوان من الحاجات الموهوبة من قصص الألعاب وابطالها
١ / ١ / ٢
Latest comments